الأثر الاقتصادي في إصلاح النقل الجوي

الأثر الاقتصادي في إصلاح النقل الجوي

[IMG]http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQDcAirDEMjxXTxQXIXkH5MfL8laKcu6j8pPrTzFiO0_7oTY0GSmNkMMvI[/IMG]
د. منصور العيد

المتتبع لحال الخدمة والصناعة الجوية بالمملكة تنتابه الدهشة حيناً والتعجب والاستغراب حيناً آخر.ففي حين يعتبر مطار الملك خالد الدولي نموذجاً معمارياً جميلاً يظهر التطور المتسارع في المملكة. فإن حالة أغلب المطارات الأخرى تعكس التخلف والتأخر في حال صناعة النقل الجوي التي تعيشها المملكة في هذا الوقت.
فمع أننا في المملكة نتمتع ببيئة أساسية نموذجية لصناعة جوية متقدمة من حيث اتساع وتباعد المسافات بين المدن بما يضمن الطلب الكبير على الخدمات الجوية المتاحة والحاجة إلى النقل الجوي الفعال، كذلك للتزايد الهائل في عدد السكان وتركز ذلك في الشرائح السنية كثيرة السفر، إضافة إلى الاتجاه المتزايد للسياحة الداخلية والخارجية وكذلك الانتعاش الاقتصادي الكبير الذي تعيشه المملكة هذه الأيام وأخيراً الحركة الجوية المضمونة لرحلات الحج والعمرة.
جميع تلك العوامل كونت مناخاً مزدهراً لصناعة النقل الجوي تحلم به أكثر الدول ولكنه لم يستغل الاستغلال الأمثل لدينا في المملكة وذلك لأسباب كثيرة سأحاول التطرق في هذا المقال لأهمها.
أهم تلك الأسباب والعوامل هو افتقارنا إلى مطارات مناسبة ومصممة على أسس اقتصادية وعملية لتواكب التزايد المضطرد في حركة المسافرين. فأهم مطاراتنا هو مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة والذي يمكنه موقعه كبوابة للعاصمة المقدسة مكة المكرمة ونافذة عروس البحر الأحمر على العالم الخارجي، يمكنه هذا الموقع من أن يكون أحد أكثر المطارات ازدهاراً في الخليج بل في منطقة الشرق الأوسط الأمر الذي لم يحدث وذلك بسبب ضعف امكانات هذا المطار الاستيعابية وضعف وتخلف أنظمته التشغيلية وتصميمه السيئ الذي يجعله أحد أكثر المطارات (مقارنة بأهميته) في العالم سوءاً وأقلها من ناحية الاجراءات التشغيلية حتى أنه من المطارات القليلة في العالم التي لا زالت تستخدم العربات المتحركة (الباصات) في نقل الركاب من وإلى الطائرات.
وبالنظر إلى البنية الأساسية لهذا المطار نجد أن الصالات متهالكة وتصميمها يفتقر إلى أبسط المتطلبات ناهيك عن المميزات المطلوبة لهكذا مطار.
وهذه العوامل ونواحي القصور الواضحة أدت إلى تردي حركة المطار التشغيلية وانصراف المسافرين وشركات الطيران إلى مطارات أخرى في المنطقة إلا في الحدود الدنيا التي يفرضها موقع المطار كما أسلفت كبوابة للمدينة المقدسة مكة المكرمة.
وحالة أغلب مطاراتنا ليست بعيدة عن مطار الملك عبدالعزيز بجدة، فهذا مطار الملك فهد الدولي بالدمام والذي لم يفتتح إلا مؤخراً وعلى الرغم من تصميمه المناسب ووجوده في إحدى أكثر المناطق في العالم رخاء وازدهاراً إلا أنه يعاني منذ افتتاحه من ضعف حركة السفر، والأسباب مختلفة هذه المرة عن مطار جدة.
وتكمن تلك الأسباب في البنية الأساسية لصناعة النقل الجوي وما تعانيه من تخبط وعدم وضوح الرؤية وافتقارها إلى الأفكار الإبداعية والخطط التسويقية لشركات السفر، الأمر الذي دفع المسافرين من وإلى المنطقة وحتى السعوديين منهم إلى استخدام المطارات القريبة من المنطقة. والسبب الرئيسي في ذلك هو السياسات التسويقية للجهات المسؤولة عن صناعة السفر في المملكة بل أن تلك السياسات فشلت في تهيئة المناخ الاستثماري والتشغيلي لصناعة نقل جوي مناسب.
وأنه لأمر مثير للاستغراب الكبير حيث يتوفر الزبون المستعد لدفع ثمن الخدمة بينما لا تتوفر الخدمة أصلاً وأدلل على ذلك بعجز الناقل الجوي عن تلبية الطلب على خدمة النقل الجوي وعدم توفر البديل في هذا الموسم مما اضطر الكثير إلى إلغاء رحلاتهم أو حتى السفر إلى دول أخرى مجاورة للاستفادة من توفر خدمة النقل الجوي لديها . وغني عن القول ما لهذا من أثر سلبي كبير على النشاط الاقتصادي والاجتماعي وحتى الثقافي.
وقد يحلو لبعض المسؤولين في جهات النقل الجوي الحديث عن التزايد في حركة المسافرين عبر مطارات المملكة لمحاولة الاقناع بتطور القطاع الجوي، وهذا الأمر صحيح بصورة مجردة بينما يفتقر إلى المصداقية عند النظر إلى الصورة الكبيرة. وأعني بذلك أن نسب الزيادة لا تعكس أبداً المستوى الذي يمكن الوصول إليه، فطبيعي أن يكون هناك زيادة في حركة المسافرين عبر مطارات المملكة نتيجة لزيادة عدد السكان وترابط وتشابك العلاقات التجارية والسياحية بينا وبين مختلف الدول، ولكن تلك النسب كان من المفروض أن تكون أضعافاً مضاعفة لما هو حاصل حالياً، فلو أخذنا على سبيل المثال حركة المسافرين بمطار الملك خالد الدولي خلال العشر سنوات الماضية لوجدنا تزايداً في حركة المسافرين السنوية يبلغ في المتوسط حوالي 6٪ سنوياً.
بينما تبلغ الزيادة في حركة السفر الجوي في دول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال حوالي 10٪، وتصل في الصين إلى حوالي 15٪. وهناك بعض الدراسات التي تتنبأ بمستوى زيادة سنوي في حركة السفر العالمية يصل إلى 30٪ وتضاعف عدد الركاب خلال العشر سنوات (1993 – 2003) أكثر من ثلاث مرات ونصف من حوالي خمسة ملايين مسافر إلى أكثر من 18 مليون مسافر، ويستخدم المطار حالياً أكثر من 100 شركة طيران دولية.
وكما يقول المثل الغربي «أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً» لذا فإنه يجب الإسراع بعمليات الإصلاح والتطوير لقطاع النقل الجوي في المملكة للاستفادة من الفرص المتاحة ولتفعيل دور النقل الجوي في تحفيز وخدمة النشاط الاقتصادي بشكل عام.

ويمكن تحديد الخطوات المطلوبة للنهوض بصناعة النقل الجوي في النقاط الرئيسية التالية:

1 – القيام فوراً بتحرير صناعة النقل الجوي وذلك بفتح المجال أمام جميع شركات الطيران المحلية والدولية للعمل بالمملكة.
2 – فتح المجال أمام إنشاء شركات خاصة لإدارة المطارات تقوم على مبدأ الربحية واقتصاد السوق.
3 – إنشاء المزيد من المطارات في المدن الصغيرة ذات الجدوى الاقتصادية.
4 – فصل الجهات التشريعية المختصة بصناعة النقل الجوي عن التنفيذية وقصر دور الطيران المدني في تحديد التشريعات ورسم السياسات المستقبلية، بينما تكون السلطة التنفيذية للشركات المشغلة للمطارات.
5 – وضع السياسات المشجعة للمستثمرين للدخول في مجال النقل الجوي.
6 – التنسيق مع الجهات التعليمية بالمملكة لتصميم وتنفيذ البرامج التدريبية لتأهيل القوى البشرية اللازمة للعمل بقطاع النقل الجوي من مهندسين، وفنيين، وإداريين وأطقم جوية.
إن قطاع النقل الجوي على درجة عالية من الأهمية بحيث لا يمكن التباطؤ في تطويره نظراً لدوره الكبير والمؤثر على مختلف القطاعات الاقتصادية، لذا فالدعوة موجهة للمسؤولين عن رسم السياسات المستقبلية لهذا القطاع للإسراع بتعليمات الإصلاح والتطوير.

دكتور مهندس. منصور بن عبدالعزيز العيد